“حرية، عدالة، مساواة” لعلها المبادئ المؤسسة لأي نظام ديموقراطي يحترم المواطنة وحقوق الإنسان، نظام يضمن للجميع تماثل الفرص في أي مجال. مبادئ أزلية موافقة لكلمة الله، ألا وهي العدل في هذه الأرض. مبادئ غير قابلة للنقاش والتحوير والسلب. هذه مبادئ قائمة بذاتها إذا آمنا بكرامة الإنسان. مبادئ يبنى عليها ما بعدها من حقوق وواجبات، لا بل إن أي مجتمع يبتغي الارتقاء في ركب الحضارة لا يستطيع أن يخطو خطوة اذا لم يضمن هذه الحقوق لجميع أفراده.
هذه المبادئ، كاملة غير مجزئة، لا تُبنى دولة القانون وحقوق الانسان بدونها.
الإيمان الحقيقي بهذه المبادئ، يعني ألا نتخلى عنها في أي محك في تطور مجتمعنا من مجتمع ديكتاتوري الى مجتمع متنور. مبادئ تُقيَّم باقي القرارات والمواقف في ضوئها و تتميز المجتمعات بمدى قربها أو بعدها عنها.
اذا أردنا للتحول الديموقراطي في بلادنا الفتية أن ينجح علينا ألا نتخلى عنها، علينا أن نذود عنها و نعمل بها. إذا أردنا أن نحقق الاستقرار والمصالحة في بلادنا، فيجب أن نهتدي بهذه المبادئ حتى لا نظل الدرب الذي ننشده.
قد يعلم أي شخص قابلني، مدى حقدي وكرهي وبغضي لنظام القذافي. نظام همجي متخلف زرع الفتنة والكراهية في مجتمعنا، نظام ظالم ظالم ظالم. لن أحكي عن مظاهر الظلم التي عانيتها أنا وعائلتي، فهي لن تزيد عما عاناه الكثير من أبناء وطننا.
لكن لا نريد من ليبيا الجديدة إلا أن تكون دولة العدل والقانون والمساواة. دولة تحمي كرامة الانسان، كل انسان يطأ هذه الارض الطاهرة.
و رغم أنني أريدالحجر على من قد يفسد هذا البناء الجديد، سواء ممن عمل في الدولة سابقا أو يريد الالتحاق بأي مؤسسة حديثاً، لكنني لم أملك إلا أن اهتز اضطرابا وهلعا عندما علمت أنه من أجل أن يمرر قانون كان إسمه قانون العزل علينا أن نضحي بقيمة المساواة من دستورنا! كيف بالله نضحي بقيمة تحمينا في كل العصور، بسبب خوف عرضي له ما يبرره، و عليه ما لا يبرره.
لن أرضى أن يكون هناك قانون غير عادل وعاري من ضمانات العدالة اللازمة لكل قانون من تجرد واطلاق، حتى و إن أقصى فاعل سياسي لا أرغب فيه، و حتى و إن فصل من أجل تخطي آخر قد أكون من مناصريه.
إن كنا نريد حقا القضاء على الفساد، فعلينا تأسيس مؤسسات قضاء وقوانين تقضي على كل فساد ينبت حديثاً، وليس فقط معالجة فساد حدث منذ زمن. حتى نؤسس دولة لا تحتكرها شبكة فساد، علينا أن نحميها من طغمة قد تتكون مجدداً وليس فقط طغمة قد ولت وقريبا ستندثر.
الاقصاء لا يكون مبنيا على زمن، ولا على منصب في حد ذاته، لا بل يجب أن يكون نابعا من مواقف وأفعال الاشخاص وأيضا عندما نعلم أن المتهم يكون بريئا حتى تثبت إدانته أمام قضاء عادل وقادر.
نعم، لا نستطيع تجاهل الماضي حينما نؤسس للمستقبل، ولعله يلزم إشهار مجموعات مثل الحرس الثوري واللجان الثورية كمجموعات اجرامية وتطبق القواعد القانونية التابعة لهذا، ولكن هذا لا يحدث الا بموافقة خبراء القانون والدستور وحقوق الانسان.
ولكن، أي خطوة مثل هذه، وأي تعامل مع ملف يتعلق بالماضي وبالمصالحة الوطنية وله تأثيره على الاستقرار الوطني والاجتماعي، لا يجب أن نخطوها من دون دستور يحمي حقوق الجميع، دستور مبني على مبادئ الحرية والمساواة والعدالة.
يجب ألا نرضى بقانون يرعى الضيم لأنه سيكون وصمة عار نستحي منها بعد سنين قليلة.